السبت، 14 مارس 2015

هل كان الامام محمد عبده تنويريا ؟!


على عكس الكثيريين الذين يرون أن الشيخ محمد عبده علم من اعلام التنوير أو احد رواد الفكر العقلاني الحر ، بداية من النصف الثاني من القرن التاسع عشر ..فأنا لا أرى ذلك ،بل وعلى العكس من ذلك ، أرى ان الامام محمد عبده لعب الدور المحوري فى وأد العقل المصري .. فى لحظة كان هذا العقل يتحسس طريقه ليكتشف نفسه ويعلن عن ذاته ...وان كان هناك ثمة تشابها بين القرن الحادي عشر والثاني عشر الميلادي وبين القرن التاسع عشر والعشرين من حيث البنية الفكرية ..فمحمد عبده هو أبو حامد الغزالى الجديد الذى اغتال العقل العربي ...
كانت البداية مع الشيخ حسن العطار "1835" استاذ رفاعة الطهطاوي والذى عمل شيخا للازهر وهو المثقف الذي صاغ أيديولوجيا احيائية أو اجترارية غير منقطعة الصلة بالماضي ..ثم كان تلميذه الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي والذى يعتبر امتدادا لتلك العقلية الكلاسكية والذى لم يفتأ أن يجعل من أيديولوجيته المحور او نقطة الارتكاز التى ينطلق منها و جعلها هى الحكم على الاشياء جميعا .. فحينما أرسله محمد على "واعظا" لبعثة فرنسا العلمية وعند ترجمته لكتاب " تخليص الابريز فى تلخيص باريز" ، و"روح القوانين " لمونتسكيو .. ونقل تلك الكتب للشرق الاوسط ..دعى فى الوقت نفسه الى عدم الامتثال لهذه الثقافة وما جاء من تلك الحضارة .. بل ويكفى أنه قام بحذف فقرات ومقالات كاملة لا تتفق وأيديولوجيته "مقياس" الاشياء جميعا . ومنها حذفه لمقالة "دوران الارض حول الشمس " ....
وما هو دور محمد عبده فى وأد العقل المصري ؟
نجد جزءا من اجابة هذا السؤال فى مقال للدكتور نصر حامد ابوزيد بعنوان (فشل التنوير الحكومي) رغم اتفاقى مع الدكتور نصر حامد فى جزئية واختلافي معه في أخرى من اجابته فكتب يقول:
"لقد تطور مشروع النهضة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تطورا شهد البذور الأولي لملامح انقسامه إلي مشروعين: يعتمد أحدهما المرجعية الحداثية القائمة علي الفصل التام بين الديني والدنيوي، بينما يعتمد الآخر والذي يعد الإمام ‘محمد عبده’ بدون منازع المرجعية الإسلامية في اتجاهاتها العقلية الفلسفية والفقهية التي تتقبل منجزات الحداثة الأوروبية دون تعارض أو صدام..."
أوجه الاتفاق التى بيني وبينه أن حقا فى تلك الفترة حدث تطورا فى المشهد الفكري والذى حمل على اثره بذور الانشقاق الاولي ..فكانت هناك رؤيتان لنهضة شاملة ..الاولى بزعامة شبلي شميل وفرح انطون وسلامة موسى وهؤلاء يتبنون الفصل التام ودون مواربة بين السلطة الزمانية والمكانية ..ورؤية أخرى توفيقية أو تلفيقية لا هى الى هؤلاء ولا أولئك بزعامة الشيخ محمد عبده ..وكان الشيخ محمد عبده هو من قام بامتصاص تلك الصدمات الحضارية التى تعرض لها العقل المصري فى تلك اللحظة التى كاد أن يعلن عن ذاته ..ويا لها من مفارقة أن يكون محمد عبده هو غزالى الماضى وابن رشد هو فرح أنطون الحاضر ..فمشكلة التوفيقية التى تبناها محمد عبده من محاولة التوفيق بين العقل والنقل ..ورغم أنه به جانبا عقلانيا ورثه منه طه حسين وقاسم امين .. الا أنه كان به جانبا سلفيا تلقفه منه بدوره الشيخ رشيد رضا الذى حرضه على كتابات فرح أنطون حول فلسفة ابن رشد .. ثم رأس مجلة المنار الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين وتلميذ الشيخ رشيد رضا فانتصر جانب السلفى الذى كان بمحمد عبده على الجانب العقلاني واذ يكفى فى هذا المقام أن أزمة كتاب الشيخ على عبد الرازق "الاسلام وأصول الحكم " وموقف الاحزاب السياسية منها ،فنجد زعيم "الرعاع" سعد باشا زغلول كما يلقبه أحد كتاب القرن المنصرم وزعيم حزب الوفد "الليبرالي " يتخذ موقفا معاديا لحرية الفكر فكتب يقول : لقد قرأت لمستشرقين ولسواهم فما وجدت من طعن فيهم فى الاسلام حدة كهذه الحدة فى التعبير على نحو ما جاء فى كتاب الشيخ على عبد الرازق ..ثم أيد قرار هيئة العلماء بفصل الشيخ من عمله ارضاء للرعاع ...
مشكلة التوفيقية او التلفيقية ..بل ومشكلة معظم من ادعوا بانهم رواد التنوير أو عُرفوا بذلك .أنهم انشغالوا بـ" الهتاف للتنوير لا صناعته" حسب تعبير الدكتور نصر حامد ابو زيد... وجلّ كتابنا ومثقفونا يتحدثون عن "جيل النهضة" و "رواد التنوير " بالقرن التاسع عشر والقرن العشرين .رغم انه لم تقم نهضة ولم يمتثل لها أحد ..بل المروجون لها هو الذين وأدوها فى مهدها ..والسخرية أنهم احتفلوا فى مصر عام 1992 بمرور 100 عام على مرور التنوير بمصر ، وتصويب هذا الخطأ انه فى ذلك العام نكون قد احتفلنا بمرور 100 عام على "وأد العقل"
حسب تعبير الدكتور مراد وهبة ..)))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق